يقول مثل مغربي شائع ان «الرجل بمجرد وفاة زوجته يبدأ في البحث عن زوجة اخرى من ضمن المعزيات»، ويستخدم هذا المثل للدلالة على ان الرجل عموما ليس من شيمه الوفاء، ولا ينتظر حتى تنتهي اربعينية زوجته لإيجاد «بديل» للمرأة التي قضت سنوات طويلة من عمرها في خدمته ورعايته وتربية اولاده.
واللافت انه يجد كل التشجيع لاتخاذ هذا القرار على وجه السرعة من طرف الاقارب والجيران والاصدقاء، باستثناء الابناء الذين يبدون معارضة في البداية لهذا القرار لعدم تقبلهم ان تأتي امرأة لتأخذ مكانة امهم. لكنهم سرعان ما يستسلموا للأمر الواقع.
ولا يقال هذا المثل للمبالغة، بل تؤكده حكايات واقعية كثيرة، حتى انه يتم تسليط الاضواء على «المرشحات» للزواج بـ «الرجل الوحيد» وتكثر حولهن الهمسات خلال ايام العزاء.
لماذا إذن يسرع الرجل في الارتباط بأخرى بمجرد وفاة زوجته؟ هل هذا دليل على انه اقل وفاء، ام ان هناك اسبابا أخرى تدفعه لذلك؟ ولماذا لا تلقى الأرملة نفس التشجيع من قبل المجتمع؟ فهي تجد معارضة شديدة واستنكارا.
فهي مطالبة بالتضحية بكل حقوقها من أجل اولادها. إذا كانوا صغارا فلتربيتهم، وإذا كانوا كبارا ومتزوجين، فخوفا على مشاعرهم من سخرية المجتمع.
المثير في الموضوع هو أن النساء انفسهن «يتواطأن» مع الرجل، وهن اول من يشجعه على خطوة الزواج بالرغم من ان معظمهن لا يقبلن «احتلال» امرأة اخرى مكانهن. والملاحظ ان البنات يتأثرن اكثر من الابناء في حالة وفاة الام واقبال الاب على الزواج.
وفي هذا السياق، تحكي إحدى الفتيات عن تجربتها القاسية بعد وفاة والدتها وتقول انه بعد مرور عشرين يوما فقط على الوفاة، اثارت الموضوع أم صديقتها حيث قالت لهم بشكل مباشر: «ماذا تنتظرون؟ ألن تبحثوا لهذا لأبوكم عن زوجة؟ هل ستتركونه هكذا وحيدا؟».
عندما سمعت هذه الجملة من التساؤلات شعرت وكأن سكينا غرس في قلبها، لانها لم تتوقع ان يصدر هذا الموقف من امراة كانت قريبة جدا من الاسرة، وكانت تعتبرها بمثابة خالتها، وحسب قولها: «فهي لم تراع الظروف النفسية التي كنا نمر بها، ولم تختر الوقت المناسب، اذ لم نكن انا واخواتي قد استوعبنا بعد اننا فقدنا امنا».
أما استعجال ام صديقتها لاثارة الموضوع، كما اكتشفت فيما بعد، فهي رغبتها في «فوز احدى قريباتها بالزواج من ابي قبل ان تسبقها أي امرأة اخرى إليه».
اما هند التي فقدت امها قبل ثلاث سنوات، فقالت ان والدها اقدم على الزواج بعد مرور عام واحد فقط على وفاة امها، اذ تزوج من فتاة في الثلاثين من عمرها في الوقت الذي كان قد بلغ الخامسة والسبعين، ولديه 7 احفاد، مضيفة ان اقباله على هذه الخطوة حظي بتشجيع من جميع افراد العائلة وعلى رأسهم عمها.
فهذا الأخير ساعده على البحث عن العروس، وهو من أتى له بها من البادية، علما انه لم يكن بحاجة مطلقا الى هذا الزواج، لان بناته كنا يقمن بخدمته على احسن وجه، لكن الحاح افراد العائلة عليه بمساندة ضمنية من اخوانها، شجعه على اتخاذ هذه الخطوة.
وأشارت الى ان وجود هذه المرأة الغريبة في البيت تسبب في نشوب مشاكل لاحصر لها، لم تحل الا بعد استئجار الاب منزلا منفصلا يعيش فيه مع زوجته الجديدة.
ولا يعارض الرجال عموما فكرة الزواج مرة ثانية سواء في حال وفاة الزوجة الاولى، او لسبب آخر، او حتى من دون سبب، باعتبار أن ذلك «حقا شرعيا».
يؤكد احد الشبان واشترط عدم ذكر اسمه، انه يؤيد اقدام الرجل على الزواج للمرة الثانية اذا كان قادرا على تحمل هذه المسؤولية، الا انه في حال وفاة الزوجة يصبح الامر اكثر صعوبة، اذ المطلوب منه مراعاة شعور ابنائه وبناته، وعدم الاستعجال.
واشار إلى انه من الضروري ان يختار الزوجة المناسبة باتفاق مع الابناء ان كان ذلك ممكنا، بدل اجبارهم على القبول بالامر الواقع. لكنه أضاف انه ضد زواج المسن من فتاة صغيرة، لان في ذلك احراجا للابناء ،ويترتب عنه مشاكل عديدة.
فما هو رأي علم النفس في الموضوع؟ وهل يؤكد ان الرجل اقل وفاء من المرأة، وبماذا يفسر استعجال الرجل الارتباط باخرى بعد وفاة زوجته الاولى؟
يجيب الدكتور سعيد بحير، المتخصص في علم النفس والتوجيه السيكولوجي، ان الوفاء صفة تميز المرأة العربية المسلمة اكثر من غيرها. فالأميركية او الفرنسية تفضل ان تعيش حياتها وتستمتع بشبابها، في حين أن العربية تكرس كامل وقتها وحياتها لبيتها وزوجها واولادها.
واذا عدنا لمراحل تاريخية سابقة، يقول بحير، نجد ان المرأة المغربية كانت اكثر وفاء والتصاقا بزوجها من اليوم، نظرا للتغيرات التي طرأت على حياتها كاستقلالها المادي، والتأثر بنمط العيش الغربي، الا ان هذه التغييرات لم تؤثر إلا بشكل محدود في هذا الجانب من حياتها.
فإحجام المرأة عن الزواج بعد وفاة زوجها يعود برأيه، الى خشيتها من انتقاد المجتمع لها، بالإضافة الى انها بطبيعتها عاطفية وترتبط بالذكريات التي كانت تجمعها بزوجها، لذلك قد يكون هذا الاحجام اختياريا في الغالب وليس اجباريا.
وفي مقابل ذلك، اعترض بحير على وصف الرجال بانهم اقل وفاء، ورأى ان هذا القول «تعبير ادبي وغير علمي». اما التفسير العلمي الذي قدمه لهذا السلوك، فهو ان الرجل ينسى بسرعة اكبر بكثير من المرأة، لذلك قد يتزوج بعد ستة اشهر من وفاة زوجته، في حين أنها قد تعيش سنين كثيرة على ذكرى زوجها المتوفى.
والى جانب سرعة النسيان التي يتمتع بها الرجل، ابرز بحير مبررا فيزيولوجيا لهذا السلوك، ويتعلق بالرغبة الجنسية التي تلعب دورا اساسيا لدفع الرجل الى الزواج، بخلاف المراة التي تستطيع ،حسب رأيه، التحكم في هذه الرغبة. لكن اذا كان الدافع «الفيزيولوجي» مبررا معقولا بالنسبة لرجل في مقتبل العمر، فما الذي يدفع رجلا مسنا للزواج وهو في خريف العمر؟
يجيب بحير ان اقدام الرجال المسنين على الزواج مرتبط بالعادات والتقاليد، بهدف اثبات الرجولة امام الاخرين، واحيانا يلعب المحيط العائلي دورا مهما في دفعه نحو هذه الخطوة من اجل التخلص من الضغط النفسي الذي يسببه له الآخرون الذين لا يكفون عن تذكيره بضرورة اعادة الزواج لاسباب شتى.
ويضيف ان زواج المسنين له عواقب سلبية، فهو يعرض امرأة شابة للترمل، واذا رزق منها بأطفال، يعرضهم لليتم، إلا ان هذا النوع من الزواج شائع في الاوساط غير المتعلمة، وفي البوادي، حيث زواج فتاة شابة من مسن امر عادي ومقبول.
واشار بحير الى ان زواج الاب بعد وفاة الام، يسبب جرحا كبيرا للبنات اكثر من الاولاد، مما يؤكد ما سبق قوله بأن المرأة عاطفية أكثر من الرجل. فالذكور قد ينسون بسرعة، فيما لا تتقبل الإناث الامر إلا على مضض.