التعليم أولاً.. التعليم أولاً..
قال عزّ وجلّ في القرآن الكريم :{ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}(1).
إن كل خطوة نخطوها نحو تعليم الطفل العلم معناه إننا أضفنا إليه علم جديد ورّسخنا الأرضية التي سيرتكز عليها في المستقبل تجاه معارفه العلمية، وإن فترة تعليم الطفل تبدأ منذ فترة الحمل، وذلك بخلق لديه أرضية مهيأة لتعلم العلم منذ ولادته..
قد يستهين البعض أو يعد ذلك مبالغة فيه ولكن التجارب والأبحاث والشواهد التي حدثت عن أطفال صارت لديهم قدرات علمية منذ صغرهم وهي كثيرة، والسبب يرجع كل ذلك بفضل العناية التي أوّلتها أمهاتهم أثناء الحمل..
فيقول الطبيب النفسي الأمريكي (توماس فريتي) في كتابه (الحياة السرية للطفل قبل الميلاد) أن فتاة حملت أمها بها وهي في كندا ثم رحلت إلى أمريكا حيث وضعت غبنتها ولكنها لاحظت شيئاً غريباً، عندما بلغ عمر ابنتها سنتين لاحظت أن ابنتها تقّلد نفس التمارين التي كانت تقوم بها أثناء فترة الحمل، والمدهش أنها تقّلد بطريقة التلفزيون الكندي الذي كانت تقف أمامه لتقلد التمارين التي كانت تعرض على شاشته.
وحادث آخر لفتاة فرنسية ولدت كطفل مكتمل النمو ولكن مع الوقت لاحظ أهل الفتاة أنها انطوائية برغم سلامة حواسها وقد تولى علاجها أحد الأطباء فلاحظ بعد عدّة تجارب أن الفتاة تستوعب وتتفاعل مع الكلمات الإنجليزية وكأنها تمتلك خبرة في هذه اللغة وأثارت هذه الحالة تعّجب الطبيب وأستمر في علاج الفتاة وأحّرز تقدماً ملحوظاً، وفي إحدى الجلسات روت الأم مصادفة أنها خلال فترة الحمل كانت قد انتقلت للعمل في إنجلترا وكانت تستعمل اللغة الإنجليزية فقط(2).
يذكر في ذات يوم أجتمع أستاذ في علم النفس وكان من الصائبة مع أحد العلماء المسلمين وقال له : منذ بدأت أفهم الحياة كنت أجد نفسي تنجذب نحو الإسلام وأني أحب أن تحّدثني عن الإسلام، وأن في نفسي عدّة أسئلة أريد أن أسألك عنها فقال العالم : تفضل وأسأل ما بدا لك فأخذ الأستاذ يسأل والعالم يجيب على أسئلته إلى أن أقتنع وآمن بالدين وأسّلم ثم قال : أنا أستاذ في علم النفس والآن فقط انّحل لغز كان يحّيرني آلا وهو كانت أمي تقول لي نحن كصائبة من عاداتنا أن يحضر رجل دين صابئي عند المولود لأداء بعض الطقوس والشعائر ولكن في ولادتك بحثنا عن رجل دين صابئي فلم نجد، وعلى اعتبار أنه لا يمكن لنا أن نخالف العادات والتقاليد اضطررنا إلى الذهاب إلى رجل دين مسلم كان جاراً لنا لأداء تلك الطقوس والشعائر فطلبنا منه الحضور فلبى طلبنا وأتى ثم أخذ يتكلم معك في أذنيك بكلام لام نفهمه وإني أعتقد الآن أن رجل الدين المسلم حين أخذني في حضنه وبدأ يتكلم معي كان يقول : أنت يجب أن تكون مسلماً ولذلك أنا أحببت الإسلام فتبسم العالم وقال : ليس هذا وإنما هو عمل المستحب الإسلامي وهو أنه إذا ولد مولود يستحب عندنا في الإسلام أن يؤذن في اليمنى وتقرأ الإقامة في اليسرى(3).
وقد قال سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام :" اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، بمعنى أن الطفل يسمع ويركز على الأصوات والحركات والتلقي والتكلم وحركات الوجه من ابتسامه إلى العبس في وجهه فهو في كل ذلك يتجاوب، وجاء في الأبحاث الحديثة أن الطفل المولود يستطيع رؤية الوجوه القريبة منه، وبعد ساعات قليلة من الولادة قادراً على توجيه نظرة إلى الأشكال المتحركة بدلاً من الألوان الثابتة وأنه قادر على تمييز الروائح والتذوق وتمييز الأصوات المختلفة وأهم ملاحظة جاءت في التقرير هي قدرة الطفل على التعلم منذ الولادة، فتقول الباحثة (كارين وين) النفسية بجامعة أريزونا الأمريكية: أن الطفل في الشهر الخامس من العمر يملك قدرة أولية تمكنه من الجمع والطرح وتستند تجربتها على ظاهرة معروفة من قبل وهي أن الطفل الصغير ينظر بإصرار بالغ إلى الأشياء المفاجئة له في حين أنه يعطي اهتماماً أقل للأشياء التي يعلمها مسبقاً أو التي كان ينتظرها، ولقد توصلت كارين إلى ذلك بعد العديد من التجارب التي أجرتها باستعمال بعض الدمى- على طريقة مسرح العرائس- حيث جلس الصغير أمام ستارة بينما حرّكت كارين دمية ثم أخفتها خلف الستارة وأبّرزت دمّية أخرى شبيهة بالأولى لترمز1+1 ثم أخّفتها بجوار الأولى، وعندما رفع الستارة عن ثلاث دمى وليس اثنتين سلّط الطفل بنظره لفترة طويلة على الدمّية الثالثة..
ويقول الدكتور (ثيافني فيلدا) أستاذ علم النفس بجامعة ميامي الأمريكية :( لقد تأكدنا الآن أن الطفل يولد ولديه قدرات معقدة أكثر مما نتصور)(4).
يقول سيدنا علي :" علّموا صبيانكم من علّمنا ما ينفعهم الله به، ولا تغلب عليهم المرجئة"(5).
وفي ذات يوم سأل سيدنا علي ولديه الحسن والحسين بعض الأسئلة فأجاب كل مهما بأجوبة حكيمة بعبارات قصيرة ثم التفت علي إلى الحارث بن الأعور فقال : يا حارث علّموا هذه الحكم أولادكم فإنها زيادة في العقل والحزم والرأي".
ولذلك نرى التربية الحديثة أثبتت طريقة علي بإثارة عقول أولاده بالتساؤل ومن ثم الجواب عليها بالجواب الصحيح، فجاء في التربية الحديثة هذا القول: إن التعليم الشفوي هو أعظم ضروب التعليم إنسانية ونفعاً، وفي أمريكا يسعون إلى خلق تعليم جماعي فيضعون الطلاب على اتصال بالمفكرين دون كلّفة ليجعلوا عقولهم أوّفر نشاطاً"(7).
وأّكد علماء التربية بضرورة تنشيط رغبة الطفل في التعليم منذ الصغر حتى تكون لديه قابلية التعلم منذ الصغر إلى الكبر، وإن لم يكن كذلك سيفقد الطفل قابلية التعلم أو تضعفها، فيذكر أن (غاوس) كانت والدته علّمته الإعداد وهو في الثانية من عمره وقد كان والده رئيس عمّال وليس مجرد عامل وأنه يلعب ألعاب حسابية، وكما أن عمّ غاوس معلم قام بتعليمه وبتدريسه الرياضيات المتطورة وهو في سن الصغر، وكان والد (إينشتاين) مهندساً كهربائياً وكان يعلم ابنه ويقوم بإجراء تجارب فيزيائية مدهشة أمامه مما يثير خياله، وكما أن والد بيكاسو مدّرساً للفنون وكان يشجعه على رسم الأشخاص ووجوه بعض الناس وهو في سن الثامنة، يقول (أتانا جونو) (ChGouod) في كتابه مفكرات أحد المشاهير (aunartististe) :( لم تكن والدتي ولا مرضع لي غيرها تعطيني مرّة ثديها إلا وهي تغني ويمكنني التصريح بأنني أخذت عنها مثائلي الأولى في الغناء ونبراته وأصول أنغامه والفرق بين هذه الأنغام قبل أن أتّعلم الكلام، وإذا سمعت يوماً فقيراً يغني في الشارع غناءً شذ عن القاعدة التي وضعت له مرضت قائلاً :( لماذا يا والدتي يغني هذا الفقير بنغم يخالف الأصول؟.
وفي ديفون بالولايات المتحدة الأمريكية تمكن أحد الأطفال (ست سنوات) من ابتكار طريقة للاختزال الكلامي لأنه كان سريعاً في تفكيره وذكياً للغاية بحيث كانت كلماته عاجزة عن اللحاق بأفكاره، وحاصل الذكاء 146 أي كاد يقف على عتبة العبقرية وقبل اكتشافه كان يوصف بالفوضوي والضعيف عقلياً، إلى حدّ أن معلمه في أحدى المرات أحتجزه في غرفة الدرس بعد الدوام.
وفي سن الثالثة أستطاع موزار العزف على اليانو وقد أشتهر طفل برازيلي لم يتعد التاسعة من العمر التحدث بتسع لغات..
فالتربية تجاه العلم وحبه منذ الصغر ضرورة في حياة أطفالنا فكل العظماء اهتموا بهذا الجانب الأساسي لشخصية أي إنسان موجود على هذه الأرض من الأولين وحتى الحاضرين، فقد دعا في أحد الأيام الحسن بن علي بن أبي طالب بنيه وبني أخيه فقال لهم :" إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليصفه في بيته ".
يقول (ريموند بييج) :" أن أول صورة يرسمها الطفل في ذهنه عن الله تنبع من علاقاته مع والديه، وكذلك أول فكرة ترتسم في مخيلته عن الطاعة والسماع والاستقامة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسلوك الأسرة، كل هذه المسائل يجب أن تتم في الأعوام الأولى من حياة الطفل، لأن فرص الطفل في هذه الأعوام فقط، يبدي استعداداً لضبط ما يدركه أكثر من أي وقت آخر لا يملك الوالدان الفرصة المناسبة لتربية نفس الطفل وتنقية أفكاره فحسب، بل عليهما أن يعّرفا الله لأطفالهما بأحسن صورة وقوة وبكل إرادة ومتابعة وهما في هذا السبيل يستطيعان أن يستعينا بمصدرين فياضين أوّلهما الدين والثاني الطبيعة)
