... ما الذي يريدون من مصر أن تقوم به؟
هل المقصود دفعها إلي فخ جديد دون روية ودون تدبر؟
هل بعد الذي قدمته مصر ومازالت تقدمه حتي اليوم لدعم القضية الفلسطينية ووضعها علي صدر أولويات الاهتمام الدولي كقضية سياسية لشعب ووطن بعد أن ظلت سنين طويلة مجرد قضية لاجئين يجيء من يخرجون علينا هذه الأيام باتجاهات تخلط الأوراق وتخاصم الحقائق وتملك جرأة الافتراء علي أشرف موقف عربي وهو موقف مصر؟
هل نسي هؤلاء المزايدون أن مصر هي وحدها ـ دون جميع الدول العربية ـ التي تعرضت لأبشع حملة إعلامية عقب فشل قمة كامب ديفيد الثانية عام2000 بين ياسر عرفات وايهود باراك تحت رعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وكان الاتهام الموجه لها أنها ساندت الصمود الفلسطيني ولم تشجع عرفات علي تنازلات يسمونها مرونة بينما تري مصر أنها حقوق وثوابت لا يمكن التفريط فيها؟!
وهل غاب عن هؤلاء المتشنجين الذين يستعجلون الدعوة لإطلاق نفير الحرب وإعلان عدم جدوي مواصلة الرهان علي عملية السلام أنه عندما كانت الحرب هي لغة التعامل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي كانت مصر وحدها هي التي تحارب ومصر وحدها هي التي تقدم الشهداء ومصر وحدها هي التي كانت تعطي الأولوية لبناء قواتها المسلحة علي حساب القوت الضروري لأبنائها بينما كانت خزائن الآخرين تزداد تخمة فوق تخمة, ومشاركة الأغلبية منهم في سلسلة الحروب مجرد مشاركات رمزية؟
أين كان كل هؤلاء المزايدين يوم أن بادرت مصر باتخاذ قرارها التاريخي بإرسال وحدات الأسطول البحري المصري لتأمين الخروج السالم لقوات المقاومة الفلسطينية بعد حصار بيروت عام1982 ؟
وأين كان كل هؤلاء عندما أصيبت الأمة العربية كلها بما يشبه الخرس عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تعربد في السماء اللبنانية وتضرب المواقع والمنشآت الحيوية اللبنانية حتي مطلع عام2000 ؟
ألم يكن الرئيس مبارك هو الرئيس العربي الوحيد الذي أذهل الجميع بخطوته الشجاعة عندما توجه بنفسه إلي بيروت وسط دوي القنابل ودخان المعارك لكي يؤكد وقوف مصر ومساندتها لحق المقاومة اللبنانية في ممارسة عملياتها العسكرية ضد إسرائيل حتي تم تحرير الجنوب اللبناني من دنس الاحتلال الإسرائيلي في مايو2000 ؟!
ثم أليست مصر هي التي رأت أن من واجبها ومسئوليتها أن تتحمل نيابة عن شعب لبنان الشقيق مهمة إصلاح محطات الكهرباء اللبنانية التي دمرتها الغارات الإسرائيلية وإعادة تشغيلها في أسرع وقت ممكن مهما كانت التكاليف المادية ومهما كانت التضحيات البشرية.. ويشهد تراب لبنان علي امتزاجه بالدم المصري لشهداء الانقاذ في لبنان؟!
إنني لا أريد أن افتح ملفات قديمة لأن ذلك لا يخدم هدف مصر في تعزيز وتقوية التضامن العربي خصوصا في هذه الساعات الحرجة والمصيرية من تاريخ الأمة العربية.
لقد كان سهلا وميسورا علي مصر أن تشجب وأن تدين فقط وأن تجاري شطحات المزايدين وتشجع الاتجاهات العنترية التي تنادي بشطب كلمة السلام من قاموس السياسة العربية ولكن مصر اختارت المواقف العملية وأعلنت قطع جميع الاتصالات مع إسرائيل وهي خطوة إنذارية ربما تتلوها خطوات أخري في ضوء ما ستكشف عنه الأيام المقبلة من تطورات وأحداث!
كان ذلك أمرا سهلا وميسورا لو أن مصر تريد فقط أن تسجل موقفا تبرئ به ذمتها وتخلي مسئوليتها وتترك الآخرين يواجهون المجهول بكل ما يحتويه من مخاطر وتحديات أبسطها وأهونها هو الارتداد بالقضية الفلسطينية مرة أخري إلي المربع صفر حيث كان ينظر إليها علي أنها مجرد قضية لاجئين.. أي قضية إنسانية فقط.
لكن مصر ليست هكذا لأنها مصر التي يشهد لها سجلها بأنها أعطت ولم تمن وضحت ولم تبخل!
مصر دولة تحترم تعهداتها والتزاماتها وفي المقدمة تعهداتها والتزاماتها القومية التي لايقررها من يستسهلون الصراخ علي شاشات بعض الفضائيات وإنما تقررها مرجعية عربية متفق عليها هي مرجعية القمة ومازالت قرارات قمتي القاهرة في يونيو1996 وبيروت في مارس2002 تؤكد ان العرب قد اختاروا السلام خيارا استراتيجيا لهم, ومن ثم يظل هذا الالتزام ساريا حتي تقول قمة عربية جديدة باستمرار هذا الخيار أو تعديله أو التخلي عنه!
أما إذا كان البعض ينتظر ان تقوم مصر بما يريدون, ثم تتحمل هي وحدها تبعات اتجاهات ليست ضمن حساباتها المرحلية علي الأقل فإن ذلك ليس شططا في الفكر فقط وإنما هو دلالة علي جهل وعدم فهم لمرتكزات صناعة القرار في مصر!
مصر كانت ومازالت وستظل مع السلام العادل ومع استعادة كل الحقوق العربية المشروعة وفي إطار التزام جماعي عربي تحدده مؤسسة القمة وليس بعض الذين يخدمون أجندات غير عربية!
وعذرا إذا كانت الكلمات قد تأثرت بفجاجة ماجري توجيهه لمصر من اتهامات باطلة.. ولكن للضرورة أحكام.. ونحن في مرحلة دقيقة تحتاج إلي الوضوح والمصارحة وإغلاق جميع أبواب المزايدة علي محترفي المزايدات وكشف دوافعهم ونواياهم حتي لايواصلوا جريمة تضليل الرأي العام.العربي دون سند ودون دليل
http://massai.ahram.org.eg/Index.asp?CurFN=mors1.htm&DID=9935