[quote='dawoodmohamedmahmoud' pid='1106' dateline='1240239929']
[size=x-large]فشلت واضطر الي الهرب تجاه الشام سنة 1765 م وسيطر حسين بك علي القاهرة واستعاد صالح بك حكم ولاية جرجا - واستراح الشيخ همام لما في ذلك من تثبيته علي الصعيد.
لكن علي بك لم يلبث ان عاد من الشام ودخل القاهرة مظهرا الندم والتوبه - فخدع زملاءه بمظهره واعطوه حكم (نوسا الغيط ) لابعاده عن القاهرة - وبوصوله شرع في حبك مؤامرة للقضاء عليهم وباكتشافها فرروا نفيه الي اسيوط معقل صالح بك القاسمي- فوجد علي بك نفسه مرغما علي اللجوء الي اشد منافسيه واعدائه صالح بك حليف الشيخ همام .
ومن العجب في الامر - ان يشرع علي بك في طلب المعونه من صالح بك - رغم العداء بينهما - وقد بادر الاخير برفض مساعي علي بك للصلح - فلجأ هذا المنفي الي الشيخ همام مباشرة - ورجاه بالحاح - اقناع صديقه صالح بنصرته - مكثرا لهما من الوعود - وقد اخطأ الشيخ همام بتحقيقه مراد علي بك الذي مهد فيه الي نهايته فيما بعد .
فبمصاحبة صالح بك ومعاونة همام تقدم علي بك في طريقه الي القاهرة بجيش جرار - حيث التقي منافسيه شمال بني سويف- في اكتوبر 1767 م وكان النصر حليف علي بك فدخل القاهرة ظافرا - حيث ثبت اقدامه - هذه المرة - في امارة مصر ورياستها - وبدأ فورا في
تنفيذ سياسته الرامية الي القضاء علي جميع منافسيه بمن فيهم الشيخ همام وصالح بك اصحاب الفضل عليه.
فاول ما قام به هو تدبير مكيده لاغتيال صالح بك اقوي منافسيه وحليف الشيخ همام صاحب الصعيد - ثم قضي علي منافسيه الاضعف
من البكوات المماليك - ثم اردف ذلك بشل نفوذ الحامية العثمانية - وركز السلطتين الادارية والحربية في يده - فاصبح في مركز يسمح له بالقضاء علي اخر القوؤ الخطيرة- التي يمكن ان تهدد سلطانه ونفوذه وهي القبائل العربية المنشرة في الوجهين البحري والقبلي - فبعد ان تخلص من نفوذ عرب الوجه البحري اتتجه للقضاء علي نفوذ الهوارة بالصعيد - واستخلاصه من اعظم مشايخ العرب قدرا ونفوذا واتباعا وهو شيخ العرب همام .
تحد لم ينته
ان تتبع اسباب النزاع بين علي بك وهمام يستلزم منا الرجوع الي الوراء سنوات بعيدة وبالتحديد الي عام 1736 م حين تحدي الشيخ همام الامبر ابراهيم كتخذا جاويش سيد علي بك واستاذه ذلك التحدي والعداء الذي لم ينته - علي حد قول الجبرتي- الا بنهاية الشيخ همام نفسه- وقد اشار الجبرتي الي ذلك بقوله ==واما النقرة التي لم يندمل جرحها فهي دعوة برديس وفرشوط - فقد رهن الشيخ
همام لابراهيم بك ناحية برديس نظير مبلغ اقترضه منه - ورفض همام تسديد المبلغ في اوانه- وتكرر رفضه - مما دعا ابراهيم بك الي شكايته لدي عثمان بك الفقاري صديق الهوارة - لكن الاخير ناصر همام - فتامر ابراهيم بك ضد عثمان الذي خسر الموقف وفر هاربا الي استتنبول - ففقد همام اقوي حليف له - وبالرغم من ذلك - فقد عجز ابراهيم عن استرداد حقوقه- وقد جري هذا النزاع علي مراي ومسمع من علي بك مملوك ابراهيم بك - فترك في نفسه اثرا سيئا ونبهه في الوقت نفسه - الي قوة همام ونفوذه - وامكان سيطرته علي مصر.
وزاد من شكوكه تلك الصداقه التي ربطت بين همام وصالح بك منافسه القوي - كما ان علي بك - توجس خوفا من مغبة انتقام همام لمقتل صديقه صالح بك - كل تلك الاسباب دفعت بعلي بك الي المسارعة بمحاربة همام .
- فجرد اليه حملة بقيادة محمد بك ابي الدهب توجهت الي الصعيد في 26 من نوفمبر 1768 م لفرض شروط سيده علي الشيخ همام - وهي التي تقضي بتقليص منطقة نفوذ همام وتجديدها بالمناطق التي يتمركز فيها الهوارة في قنا واسوان وليس علي الصعيد كله .
وقبل همام شروط غريمه تقديرا منه لقوته وما جبلت عليه نفسه من الغدر والخيانه - فاثر الانسحاب ريثما يرتب اموره - وحاول استمالة محمد بك ابوالدهب نظير التنازل له عن برديس - ولكن علي بك لم ينطل عليه انسحاب الشيخ همام - فعاد الي التحرش به من جديد حتي لا يترك له فرصة لالتقاط الانفاس - فارسل اليه يطلب منه طرد الامراء المماليك المعادين له والمقيمين بارضه عربونا لاقراره لشروط الاتفاق الذي جري بينه وبين محمد بك ابي الدهب - ولكن لن شيخ العرب مؤمن بالعادات والتقاليد العربية الاصيله ومنها اكرام الضيف وحمايته - ابت عليه نفسه ان يخضع لمطالب ذلك المملوك الغريب حتي ولوكان اقوي شخصية في مصر
لذلك عقد العزم هذه المرة علي التصدي لعلي بك ومحاربته بنفس اسلحته - فلم يقاومه وجها لوجه بل لجأ الي الامراء المماليك خصوم علي بك الموجودين علي ارضه من اتباع صالح بك وكثير من البيوت المملوكية مثل الخشاب والفلاح والجفليه والسكري - واتباع كشكش بك - وكان هؤلاء يمثلون عددا كبيرا من الامراء والاتباع فحرضهم همام واتفق معهم علي ان يتقدموا لللاستيلاء علي اسيوط وانتزاعها من اتباع علي بك تمهيدا لتقدمهم الي القاهرة لاجلاء علي بك عنها والقضاء علي نفوذه وحكمه لمصر.واسترجاع ما كان لهم من نفوذ ضاع علي يديه - وبالفعل وافقه الامراء علي ذلك - فامدهم همام بالرجال من كبار الهوارة ومن اهالي الصعيد فتكون لهم جيش كبير - قدم له همام كل ما يحتاج اليه من اموال وذخائر ومؤن .
واسفرت المواجهه بين الطرفين عن استيلاء الامراء حلفاء همام علي اسيوط ووصل النبأ الي علي بك الذي كان قد ارسل حاكما جديدا الي جرجا - هو ايوب بك - فخرج الاخير الي الصعيد ومعه عدد كبير من الجند والاتباع لكنه وجد ان الصعيد في قبضة همام وحلفائه.
ووجد ان ملك سيده يتهدده الخطر - فارسل في طلب المزيد من المدد لمواجهة الموقف - وقد تفهم علي بك الموقف ولم يضيع اقل وقت - فجهز جيشا جرارا امد به ايوب بك - وقد حشد علي بك لهذه المواجهه المصيرية كل امكانات الدولة - فاردف الحملة السابقة باخري
بقيادة محمد بك ابي الدهب ومعه رضوان بك ومجموعة من الامراء والسناجق اتباع علي بك - كما ضمت اعدادا ضخمة من المرتزقه والدلاه والدروز والمتاوله والشوام .
خيانة اقرب الناس
وامام اسيوط دارت المعركة الحاسمة بين الطرفين وقد حالف النصر قوات علي بك بعد قتال عنيف سقط فيه الكثيرون من اتباع همام - وقد
اعقب المعركة زحف محمد بك فورا الي فرشوط معقل شيخ العرب بغية القضاء عليه قضاءا تاما.
ووسط هذا الظلام الحالك والجو المكفهر - لعب الدهر مع همام الاعيبه العجيبه - حيث اغري ابوالدهب ابن عم همام وهو الشيخ اسماعيل ابو عبدالله بخيانة همام واعدا اياه برئاسة الصعيد الصعيد اذا ما تقاعس عن القتال في صفوف همام ونشر التخاذل بين جنده
ولما كان همام يعقد اهمية عظمي علي بن عمه هذا - لذا قصمت هذه الخيانة ظهرة وهدمت كيانه وشعر بانه لم يبق له شئ بعد ان خانته عشيرته وتخلي عنه اقرب الناس اليه وباعه بالرخيص من الوعود - لهذا ادركه الحزن المميت واضطر الي التقهقر تاركا مسقط راسه وموطنه وعاصمة نفوذه ومجده - فرشوط - ولم تمهله هذه الطامة الاقليلا فسرعان ما مات كمدا وقهرا قرب اسنا في قرية قمولة في 8
شعبان 1183 ه - اول نوفمبر 1769 م وكان في نحو الستين من عمره.
ان المتأمل للمراجع التي ذكرت شيخ العرب همام ليعجب فعلا لتشابه محتوي تلك المصادر - حتي تكاد تكون متماثله فكلها تثني عليه وتذكره باعطر الذكريات فهو - في نظر البعض - منشئ الجمهورية في الصعيد - وهو الذي وزع الاراضي علي الفلاحين واقام حياة نياببه
ولقد احال الشيخ همام الصعيد من مكان للفتن ومسرح للصراع بين الامراء المماليك المهزومين امام زملائهم في القاهرة ومطارديهم المنتصرينن الي منطقة استقرار ورخاء وامن وازدهار - وبهذا وضع اساس مجد خلد ذكراه.-
وقد ظهر همام في وقت - كان الصعيد في امس الحاجه الي وجود رجل مثله يقر الامن ويحمي الفلاحين من ظلم الادارة ومتاعب الاعراب من نهب وتهديد - وينشر تمام العداله بين ابناء الصعيد - ولم يكن يفرق في المعاملة بين ابناء قبلته من الهوارة والفلاحين والعرب الاخرين فالجميع امامه سواء واهتم بتنظيم الزراعة في الصعيد وادار الحياة فيه بنشاط جم وكفاية نادرة[/size]
[/quote]